اشتهر المصريون بالسخرية من الأحداث السياسية بالنكتة، ولعل ذاكرة بعضنا تستدعى قول الشاعر: وَماذا بِمِصرَ مِنَ المُضحِكاتِ *** وَلَكِنَّهُ ضَحِكٌ كَالبُكا
ولعلماء النفس كلام ههنا خلاصته أن هذه النكت تكشف عن تطلعات المجتمع ورغباته وانتقاداته كما تكشف عن نوعية التفاعل والعلاقات التي تربط المواطنين بذاتهم، فضلا عن كونها تمثل إحدى الوسائل الدفاعية اللاشعورية التي يعتمد عليها الإنسان لمواجهة الضغوطات الناجمة عن العالم الخارجي، مثلها مثل سائر الوسائل الدفاعية الأخرى تحاول أن توجد نوعا من التوازن النفسي و إخراج الدوافع والطاقات المكبوتة، وهى نوع من التنفيس عن الطاقة النفسية المكبوتة...
وفى موجة الغلاء الشديدة التى يعانيها المصريون مؤخرا ظهرت بعض هذه الهموم التى صورت بصورة ساخرة كان ميدانها تجمعات الأفراد سواء فى عملهم أو منتدياتهم أقتطف منها ما كنت فيه وثيق الصلة بأصحابها مسجلا أبرز ما فيها كما يلى:
1/ سرقة الأرز
أغرب حالات السرقة أن صديقا أخبرنى أن جيرانهم حين أصبحوا اكتشفوا سرقة جوال أرز يقدر ب25 كجم فتندرنا بذلك حتى قص علينا آخر أن شخصا يعرفه اشترى خبزا وحين أراد تهوية الخبز ذهب ليشترى كيسا بلاستيكيا ليضع به الخبز وحين رجع وجد الخبز مسروقا!!
وشبيه بذلك ما ذكرته الأهرام مؤخرا من أن موظفة لديها ثلاث بنات تتولي مسئوليتهن بعد وفاة زوجها... تسكن بمدينة السلام... ونظرا للزحام الشديد علي مخابز العيش بالمنطقة... فهي تقوم كل يوم سبت... يوم أجازة ابنتها الكبري من المدرسة باصطحابها معها في عملها.. وتقوم بعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية في الساعة الثانية بالذهاب لأحد الأفران بالقرب من مقر عملها ومعها ابنتها ويقفن بطوابير السيدات القليلة الزحام بعض الشيء... ويشترين بـ(2) جنيه عيش...(40) رغيف... بحيث يكفي طوال الأسبوع بقدر الإمكان... وفي الأسبوع الماضي.. بعد شراء العيش و تهويته ووضعه في شنطة بلاستيك.. إذا بشاب علي موتوسيكل يأتي مسرعا من خلفها.. ويخطف شنطة العيش واختفي في لمح البصر.
2/ طرد المصريين من مصر
وتندر أصدقاؤنا بما يتداول على الانترنت مؤخرا من أن جمال عبد الناصر قد طرد الإنجليز من مصر، وأن أنور السادات قد طرد الصهاينة من مصر، بينما طرد مبارك المصريين من مصر!! وامتد الحديث لفكرة الانتماء لمصر والانتحار والإحباط حتى قال أحدهم فليسرقوا ولكن لا يميتوا أطفالنا جوعا!!
3/ محمد عفيفى قتيل الأمريكان
يعجب كثير من الناس أن حكومتنا التى صرحت بأنها ستكسر أرجل أى فلسطينى يفكر فى دخول سيناء دون إذن هربا من الحصار الصهيونى لم يجرؤ أحدهم أن يستنكر أو حتى يقبل بمناقشة موضوعية لمقتل المواطن المصرى عفيفى الذى قتلته بارجة أمريكية داخل مصر ولكن كيف لمن يقتل المصريين بالتعذيب والسرطانات والحرق والغرق وأخيرا بالغم والحزن ان يدافع عن كرامة مواطنيه؟! بل كيف يدافع حاكم عن كرامة أبنائه وهو أساسا يفتقد تلك الكرامة؟!!
4/ قسم بالله
أقسم بعضهم بالله أن لو احتلت مصر الآن ما حرك حاكمها ومن معه ساكنا ولربما انتقدوا الذين يدعون إلى المقاومة بوصفها فعلا غير معتدل وبأن مقاومة الاحتلال مغامرة، بل وصل الأمر ببعضهم أن أقسم أن لو احتلت مصر لدافع حكامنا عن الاحتلال، واستشهدوا فى ذلك بالتفريط فى أم الرشراش وفى وجود حاكم هكذا فى الجوار الفلسطينى حين ذهب إلى موريتانيا رأى أن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيونى يفيد القضية الفلسطينية!!
5/ نكت سياسية
ويتداول الناس مجموعة من النكت تعبر عن تلك الهموم أشهرها أن الحاكم حين رأى تابور (طابور) استنكر ذلك فسأل رئيس الوزراء عن ذلك فأخبره أن ذلك من أجل الخبز فتعجب قائلا: وهل بقى لدى الناس مال ليشتروا به الخبز؟!، وأخرى أن رجلا عجز عن شراء الخبز فاستدعى عفريتا فلما تأخر العفريت واستبطأه الرجل فاستدعاه ثانية ليجد العفريت يشكو الرجل أن أخرجه سريعا من تابور(طابور) الخبز!!
خاتمة وملاحظات
شهد الله أن الإصلاح أرخص من الفساد لكنه الغباء، وتاريخ البشرية يؤكد أن الدول أبقى من الطغاة لكن لابد من فعل تصنعه نخبة مخلصة وهو أمر نرجو ألا يصيبنا منه اليأس فهل يظل المصريون هكذا : قهر يقابله سخرية؟! أم ترى أن النتيجة الطبيعية لهذا الغليان انفجار وشيك؟!
جميع القراءات تؤكد أن بقاء تلك الأوضاع هكذا غير ممكن، وكلُّ فى انتظار اللحظة الحاسمة فمتى يحين أوانها؟ متى؟
سيد يوسف